وفي سياق نقله إحدى لطائف العربية في هذا السياق، أراد الصفدي أن يوضح العلاقة، ما بين التحبب واللطف، وإعراب اللغة العربية، على اعتبار أن كل من أعرب في كلامه، فكأنه يتحبب إلى محدّثه، نصرة منه للفصحى وللإعراب، ولمنحه تلك الصفة الإنسانية المتمثلة، بمعنى العُرُب، وهن النساء العاشقات، المفصحات عن عواطفهنّ لأزواجهن.
مَن أعربَ تحبَّب!
وقال الصفدي: “فكأنّ من أعرب كلامه، تحبَّب إلى مخاطبه” وهو في إطار كشفه العلاقة ما بين العُرُب من النساء، وإعرابِ العربية، حيث تشير العلاقة إلى الإفصاح والإبانة، بين الطرفين: النساء يفصحن عن محبتهن لأزواجهن، فهنّ عُرُبٌ، والإعراب في اللغة، غايته الإفصاح والإبانة، فجاء اسم الثاني، مما تفعله المفصحات عن حبّهن. ولهذا نقل الصفدي، أن تسمية الإعراب، في اللغة، قد تكون جاءت من العُرُب من النساء.
في السياق، ماذا تكشف كتب اللغة العربية، عن معنى العُرُب، أيضاً؟ وإلى أي حدّ تبدو العلاقة بين إعراب اللغة، وما تفعله النساء من إظهار لمحبتهنّ؟
توضيح قواميس العربية، أن العُرُبَ، تحمل كثيرا من المعاني التي تؤكد نقل الصفدي السابق، فالعُرُب: حسَنَات الكلام، والعُرُب تأتي جمعاً للعاشقات من النساء. ويرد في كتب اللغة، أن العروب، هي المرأة المتحببة العاشقة المظهرة للعشق، ولعل هذا الإظهار والإبانة، هو الرابط الأقوى الذي استند عليه الصفدي، بجعل اسم الإعراب، من العُرُب.
تعرَّبت لزوجها تغزّلت به
من جهة أخرى، فإن العُرُب، هن المتغنّجات من النساء، أيضاً، ويقال: تعرَّبت لزوجها، أي تغزّلت وتحبّبت. ويقال في المعجمات، إن من معاني الإعراب، في العربية، التزوّج بالعَروب، اسم المرأة المتحببة لزوجها. وبعد ذلك، يقال: الإعرابُ الذي هو النحوُ، إنما هو الإبانة عن المعاني والألفاظ، وهو عدم اللحن في الكلام.
ويوغل الصفدي، أكثر، في لطائفه عن العربية في مصنفه المشار إليه، فيجد بأن الإعراب، وبسبب قدومه إلى قوانين العربية، من تحبب النساء العاشقات وإفصاحهن عن مشاعرهن، كما سبق ونقل، يمكن له أيضا، أن “يريح” المخاطَب، لأنه “إذا أراحَ المتكلّمُ من يخاطبه، من الفكرة والحيرة بالإعراب، فقد تحبَّب إليه”.
الإعراب يريح السامعين
فإذا قيل: “ما أحسنْ زيدْ” بعد ترك إعرابهما، يلتبس الفهم على المخاطب “وبقي في حيرة” بحسب الصفدي الذي أعطى هذا المثال، ليوضح أن الإعرابَ، نوعٌ من التحبّب، وكلما أعرب الرجل، كلامه، كان محباً أكثر.
ويكمل مثاله، بجميع حالات إعراب “ما أحسنْ زيدْ” التي تشتت السامع المخاطب كونها خلت من الإعراب، من الإفصاح، فيذكر حالاتها معربة، فيظهر المعنى تاماً، ولا يعود هناك من لبس في الدلالة، فـ”يريح” المخاطب، بهذا الوضوح، ولهذا هو “تحبّب” إليه، بالإعراب: “وأقول: معنى تحبّبه، كونه ذكر أمارات تدلّ على معانيه”.
من جهة أخرى، يقال في العربية، للرجل، أيضاً، إذا أفصح في الكلام، أعربَ. وأعرب كلامه، إذا لم يلحن في الإعراب. ومن استعمالات الإعراب القديمة التي تتصل بمعنى الإعراب في اللغة، يأتي الإعراب بمعنى الردّ والمنع، ردّ المرء عن فعل قبيح أقدم عليه.
هل يعيدهن الصفدي إلى مملكتهنّ؟
ولعل هذا الاستعمال القديم لمفردة “عَرَب” الدالة الآن على جماعة الناس، يوضح دلالة الإفصاح المثلى التي يحملها، لتكون بمعنى العلامة الفارقة، إذ يرد في “تاج العروس” للزبيدي، أن كلمة “العَرَب” تعني “بقاء أثر الجرح بعد البرء!”.
يذكر أن الغالبية الساحقة من كتب النحو واللغة، في العربية، وضعها رجالٌ، فيما نقل الصفدي، أن الإعراب نفسه، على أهميته وخطورته، قد جاء من اسم النساء المتحبّبات العاشقات المفصحات عن حبّهن، فهل يعيدهن ذلك، إلى مملكتهن المفقودة التي سيطر عليها الرجال، لقرون خلت؟